Friday 12 November 2010

أجمل ابتسامة ...الجزء السابع: صدفة



أناملها تحمل سيجارة رفيعة، عيناها تجولان في أنحاء الصالة، وكأنها سائحة. الأصوات المنبعثة في الأرجاء عاصفة هوجاء صاخبة تتمايل على وقعها الأجساد. تشير بأصبعها إلى الساقي، يسرع الشاب كقط نادته صاحبته، يلتقط الكأس الفارغة، يضع مكانها كأس أخرى تشبه دموع الشمس. تسقط في يده مالا، يهز برأسه شاكرا ويبتعد عن أنظارها... يسير إلى الخلف من دون أن يشيح وجهه عن ابتسامتها.

هي سيدة بكل معنى الكلمة، وتعرف ذلك، تملك جمالاً ساحراً، وكثيرٌ من المال. تستطيع أن تشتري كل ما تبتغيه، لكل شيء في الوجود سعره، المهم معرفة الوقت المناسب للشراء.

اقترب منها رجل خمسيني، علّق على طرف سترته عقداً ذهبياً، أخفى في آخره ساعة، ترك طرفها الأعلى ظاهراً من الجيب. مجرد حيلة، تلهي نظرات الفضوليين عن بطنه الكبير المدور... فتح ذراعيه، أحنت المرأة جسدها إلى الأمام عانقها، وقال:
- " لماذا لا ترقص الأميرة؟"
ضحكت، تمايلت قليلا، هربت من بين ذراعيه، أجابت بدلال:
- " أنتظر الأمير"

- "لم أعرفكِ من هواة الأساطير، وقصص ما قبل النوم"، قال. جلس على الكرسي بجانبها، أشعل سيجاراً، وتنشق عطرها بصمت. يعرف بأنها عصيّة عليه، وعلى كل المتواجدين في هذه السهرة... ما خلا شخصاً واحداً... والاثنان في لحظة تبادل الحديث لا يعرفان أنه حقيقي.

تأملت تشابه الوجوه الموزّعة في الصالة، وأضافت إلى عبارتها السابقة:
- الأمير موجود، ولكنه هو لا يعرف ذلك. "
في هذه الأثناء، سياق هذه المحادثة بدأ يزعج الرجل السمين، ولوهلة ندم أنه اقترب منها، بالرغم من يقينه انه لا يقدر الابتعاد عنها مهما قنع ذاته بعدم جدوى مغازلتها. لما رآها تهز جسدها بإثارة، فيتراقص جسدها كابتسامة الآلهة، اشتهاها، أرادها أن تكون ملكه، امتداد لرغبات ظنها ماتت من كثرة ممانعة المرأة.

سألها بصوت متلعثم، حائر، خنوع، وكأنه يتلو صلاة:
- "أتودين الرقص؟"
بالرغم من انه كان أكيدا من أنها سترفضه، إلا انه حاول، نفث الدخان، وكأنه يقدم أنفاسه على مذبح صمتها، ابتسمت له، وأجابت:
- "أود ذلك..."
كاد أن يقفز عن كرسيه، أن يصفق، أن يبتلع السيجار، وقبل أن يستيقظ من فرحته، كانت المرأة تومئ برأسها ناحية اليسار وتكمل:
- "لكن زوجتك لا تودّ ذلك"

نظر إلى الجهة اليسرى، كاد أن يسقط عن الكرسي، استيقظ على كابوس لا ينفك عن التكرار كل ليلة. هرول إلى زوجته، ترك المرأة تضحك كشيطان تسلل إلى الجنة وخرج قبل أن يلمحه الله.

الساعة شارفت على الثانية صباحاً، شعور بالاختناق يقبض على عنقه منذ أكثر من ساعتين، يبحث عن مكان فيه بعض من ظلمة مصاب بسكوت ليضمّه، لا يعرف لماذا لبى الدعوة إلى الحفلة، فهو لا يحب الضجة، ولا الوجوه الغريبة.

أقنعه صديقه انه قد يلتقي الليلة بأشخاص مرموقين، قد يساعدونه... ندم على تسرّعه، وتحديداً منذ أن تركه صديقه وحيداً والتصق بجسد فتاة شقراء يراقصها، يلمسها، ويلتهم شفتيها كالحلوة، بينما هو جف حلقه في الضوضاء، تحوّل لسانه إلى جثة، وأضحت ذاكرته خاوية.

توجه صوب المشرب، قليل من الخمر قد يغرق الغضب الساكن في أعماقه. يصطدم بالأجساد، تدوي الضحكات، يعتذر من دون أن يرفع رأسه، ويسير بتكاسل. يعرف بأن هذه الليلة مضيعة لوقته الضائع منذ الأبد. ينتبه أنه لم يبتسم ولو مرة واحدة في هذه الأمسية. يطلب من الساقي كأس خمر من دون ثلج، لا يحتاج إلى مزيد من الضجيج، ولا إلى قرقعة المكعبات العبثية.

يحمل الكأس إلى الأعلى، يُرجع رأسه إلى الوراء، ويرتشفه دفعة واحدة. يطلب كأسا أخرى هذه المرة يضيف إلى عبارته السابقة:
- "اجعلها مزدوجة"

عيناه تومضان كنمر في غابة، يشعر بالخوف، لا يشبه أحدا هنا... يؤلمه ذلك، آلمه ذلك طيلة حياته، منذ أيام الدراسة، لا يشبه أحداً...

ما ان وقع بصرها عليه حتى شعرت بأن هذه الليلة لن تكون كسابقاتها، رافقته في تعثره بين الأجساد المتمايلة، اشتمت في حركته وحدة. لم ينظر إليها قط، كادت أن تجن، لا يرفضها الرجال عادة، ولما تأكدت بأنه لن يلمحها أرادته أكثر...

أدار لها ظهره، من دون أن ينتبه إلى وجودها، اقتربت هي منه، وضعت يدها على كتفه، وسألت:
- "الست...؟"
وسكتت، كأنها تحاول أن تتذكر اسمه، الذي لم تكن تعرفه أصلا.
- "نعم" تمتم بصوت خافت من دون أن يذكر اسمه.

قميصه المفتوحة إلى الصدر، وعلى عكس سائر الرجال المتواجدين في الصالة لم يتدلّ منها ربطة عنق. انتبهت أنها وجدت الأمير الذي لم يكن يعرف ذاته بعد، سألته لماذا هو حزين، أجابها:
- "لأنني لم التق بك من قبل في حياتي."

ابتسم أجمل ابتساماته لأنه لم يعرف لماذا نطق هذه الجملة، ولأن السكر قد سيطر على حزنه بعد الكأس الثانية المزدوجة.

من بعيد تأملهما الرجل الخمسيني، يتساقط الشرر من عينيه حقداً. تذكر فرصته الضائعة والرقصة التي لم يكتب لها إشباع نزوته بالحد الأدنى. اقترب منهما، بعد أن ذهبت زوجته إلى دورة المياه، وشوش في أذن المرأة قبل ان يبتعد ضاحكاً:
- "زوجك هناك في الجهة اليمنى يحدجك غاضبا..."

وقفت، مدت يدها لتودع الذي لم يكن يعرف ذاته بعد وانصرفت متخايلة إلى الجهة اليمنى.

فتح يده وقرأ على البطاقة اسم المرأة ورقم هاتفها المحمول، مرفقا بعبارة مكتوبة بخط اليد:
- " اتصل بي."

هذه كانت المرة الأولى التي التقى فيها بالمرأة التي تمنى لاحقا بعد سنوات لو تموت...

The seventh part of this story is dedicated to Nour Al Hajri And to Youssef Chaker, you make me love writing.

9 comments:

  1. كتيييييييييييير حلو! الوصف يكاد يكون سينمائي. لنا موعد مع جزء قادم اكيد و ... سريعا؟؟؟؟

    ReplyDelete
  2. جميل جدا هذا الفصل
    اضفى رونقاً خاصاً على مسار القصة طبعاً بتفاصيل دقيقة تساعد على تصوير المشهد واستعراضه مراراً وتكراراً
    اعتقد ان اجمل ابتسامة متجهة إلى الرواية وهذا مميز
    رغم أنه ليس سهلا صخصوصاً أنها تكتب ذاتها

    ReplyDelete
  3. الرواية تزداد جمالا و تشويقا، و الابتسامات المتكررة في كل فصل، مغلفة بالحيرة.... من سيبتسم أخيرا و ما ستكون قصة الابتسامة القادمة، ننتظر بفارغ الصبر

    ReplyDelete
  4. when by God's sake did you have the time to comment it?
    what I find marvelous is the fact that we start reading (almost each episode) with a new decor, trying to put ourselves in, and connect it to the main story.
    where are Zeina's comments and questions to animate the discussion and push us to see some details we missed?

    ReplyDelete
  5. It has been a long while since i commented on your posts... mainly because i can find no suitable words to define your skills, talent and passion...but not today cos here it goes, like Thoth was the tongue of the Sun God Ra, through your writings you have been the tongue of the son of God, every human being...

    ReplyDelete
  6. Dear Pascal, if the man in your picture reflects the traits of the writer in your story, then i believe you have started a new fairy tail for children like me to dream about :)...

    ReplyDelete
  7. Hello Pascal,
    Thank you very much for this wonderful post. I like the way you describe things, I feel when reading your words that I am in the room with the young woman, the fat man and probably also in the head of the young man.
    Although the scene is scary (to me at least) but I like it.
    So what is going to happen now? she will leave her husband and stay with him? or they will become lovers? Why does he hate her? Why can't he simply say no now and save us from all the coming sadness? Does he realize that life is too short ? ( oh boy, I am starting to ask questions.. :) :))
    Mr. Old friend :) Sorry for the delay in reading and commenting :)
    Have a great day everybody :)
    Zeina :)

    ReplyDelete
  8. Hello Pascal, hello everybody,
    How are you? It has been 10 days since we read your post. When is the next post coming? I don't know about all the others, but I can't wait any longer... have a great day and hope to read from you soon :) ( very soon :))
    Zeina :)

    ReplyDelete
  9. as a must, I see that an episode should be dedicated to the relationship between this woman and the famous writer, starting from the first private meeting, to the details that made him hate her, and the why he wouldn't let her go.
    this would be the first solved issue among the long enigma.
    I'm expecting that Pascal will not let us down this time.
    one good news:
    Pascal promised he will issue a new episode each Thursday.

    ReplyDelete

Share

Widgets