يتدلى بطنه من أسفل قميص تقلّص قرفاً من كثرة الالتصاق بجلد تفوح منه رائحة العطش. شعيرات طويلة منتصبة بوقاحة، أشبه بشوارب صراصير خائفة من النور وتختبئ وراء مرحاض.
عيناه صغيرتان مدورتان كموطن رصاصتين في جدار. أنفه أشبه بعقب سيجارة تشظّت ورَيْقات تبغ محروق. فمه منفضة نحاسية تنبعث منه أنفاس هادرة كمغارة في خصر جبل لعنته الآلهة. قدماه عندما سار لا تكادان ترتفعان عن الأرض. تتحركان ببطء، تمسحان الأرضية، مخلّفتين ورائهما وجع الصوت. أصابعه ملتصقة، متورّمة، منتفخة من التمدد ببلاهة، ويده أشبه برفش علقت بين ثناياه حبات تراب قاتمة.
يبحث بين تراصف الأكياس عن أكبرها، عما يحمل في إحداها حبة حلوى أكثر. بصبر يغرز راحته في بطن الخزانة الخشبية. تهرب الأكياس من عناده مصدرةً قرقعة أشعرتني برغبة ملحة في إبعاد فنجان القهوة عن شفتي.
أشحت بعينيّ بعيداً، كمن يرمي شباك الصيد في مركب إلى جهة تنتظر أي صدفة عابرة.
وقف بمحاذاتي، اخترقت رائحة شهور من معاداة المياه قعر رأسي. ضباب كثيف تفشى صداعاً في صدغي. رفع يده كمنجنيق حاملة كيس الحلوى، ومن اليد الأخرى سقطت قطعة نقدية صفراء مريضة على الطاولة.
من دون أن ترفع نظراتها عن وجوده المقزز في متجرها، التقطت بأطراف أناملها المال ورمته بازدراء في الدرج. قبل أن يسقط جسده خارج المحل، نفذت كقطة من أمامه، فتاة في سن المراهقة، متجنّبة نظرات وهمية، شدّت بأسفل قميصها فوق مؤخرتها الصغيرة. اختارت أشكالاً ملونة من الحلويات، دفعت ثمنها وخرجت مذعورة من أن أكون قد استرقت النظر إلى أي من تفاصيلها التي لم تكتمل بعد.
تأملت القهوة المنسكبة من الركوة إلى داخل شدق فنجاني الذي كان خالياً لحظة دخل فيها رجلٌ أسمر بلون التعب. سأل عن موضع زجاجات الخمر، عن الأسعار، ومن ثم أطرق رأسه مفكراً، أحصى الساعات المتبقية من ليل ينتظره في مساء مصاب بالوحدة. طلب أكبرها، نقد المرأة ثمن شريكة فراشه، مستقبله وأحلامه، وتدهور بعيداً عن ملاحقة نظراتي.
وضعت حافة الفنجان على شفتي السفلى وتركت القهوة تتدفق إلى جوفي كدواء يشفيني من علة زيارة فرضت عليّ...
تراجعت خطوة إلى الوراء، خلفي شبح امرأة تدخل الباب، ككلب صيد شممت عطر أنوثة مجروحة وقبل أن اضمحل من أمام صاحبة المتجر، سألتني:
- "ألم تأت لشراء سجائرك اليوم؟ "
ابتسمت كشيطان أوقع ملاكاً مبتدئاً بخطيئة أولى، عبرت زاوية الشارع، أردد كطاحونة في جيب عاصفة:
- "لا ليس اليوم، جئت لأتسوّق شخصيات لروايتي الجديدة".
I can relate.. every couple of months i go shop for stories from different faces. especially down town or public transportation or even streets. i make up the stories of their lives :)
ReplyDeleteليتني أستطيع أن أجد الكلمات المناسبة لوصف شعرك!
ReplyDeleteأتمنى لك التوفيق في تسوق الشخصيات المناسبة (:
I like how you ended it, and it is interesting to see how you describe the smallest details( the little girl and how she adjusted her shirt). Looking forward to read more of your work :)
ReplyDeleteبدايه القصه ونهاية الفكره كلاهما رائعين.. مره اخري تفاجأنا وتمتعنا بأسلوبك.. اكثر من رائعه.. بت اخاف ان اعلق كثيراً على كتاباتك كي لا يُعتقد بأني اقص وانسخ التعليقات لتشابهها
ReplyDeletecopy/paste
صدقوني انا لا افعل ذلكك ولكن باسكال دائماً ينجح بابهاري ومفاجأتي وامتاعي بكتاباته
شكراً باسكال
قررت اليوم انو علق على كتابتك بالعربي
ReplyDeleteما في مرة بقدر اعرف كيف رح تنهي قصّتك! هيدا اكتر شي بحبو بكتابتك
:) قدرتك على خلق صدى الحياة في كلمات قليلة شيء مخيف وجميل لدرجة الصمت!
ReplyDelete...
...
تمنيت، ولو لمرة، ان اجد كلمات اعلق بها
ReplyDeleteرائعة باسكال
من يملك نظرتك الثاقبة و قلمك لا يمكنه الا ان يدهشنا في كل مرة. أصلي لألهة الكتابة كي لا تنسى نفسها طويلا بين يديك فيبقى لنا شيئ نكتبه:) أشكرك على الاهداء و أقول لك مجددا هنيئا لمن يعرفك و من يكسب صداقتك
ReplyDeleteلا يمكن لقلم ان يأتي بكل هذه التفاصيل دفعة واحدة ولا يكون ملعوناً.. ربما ليس القلم ، هو الكاتب الذي يسكنك.
ReplyDeleteكتير حلوة مع أنو أول مقطع خوفني :)
ReplyDeleteالمتعة في قراءة كتاباتك، استطيع أن أرى صورة بذهني واضحة مفعمة بالتفاصيل ولكن عيني لا تستطيع أن ترى غير كلمات...
رائع الوصف والتشبيهات المستخدمة
ReplyDeleteوالأجمل الخاتمة غير المتوقعة
والأكثر روعة الصدق :)
لن أحاول البحث عن رد يجاري مقالك لأني لا املك ذلك النوع من المقومات و المؤهلات . ما اقول الا ابدعت
ReplyDeletei simply dont know how to WOW what i read ... very nice...
ReplyDelete