Friday, 24 December 2010

ابراهيم سماحة ريشة بلا عنوان



على درج الفن، أو درج مار نقولا بين حي سرسق وحي الرميل في منطقة الجميزة، وجد الرسام ابراهيم سماحة مساحة للتواصل مع بلده الذي انقطع عنه منذ سفره الى ايطاليا لسبع سنوات. كانت محادثة عابرة عبر الهاتف انتهت بموافقته على شراء محترفه Laboratoire Dart من دون السؤال عن المساحة أو الموقع. حزم حقائبه مترجما الحلم الذي راوده منذ الطفولة الى منارة تشعّ فناّ.

يقف إبراهيم اليوم على عتبة الثلاثين من عمره، أستاذ في الـAUST. خلفه ماضٍ بدأ بطفولة مشاغبة وروح فنان متمرّد، شبابه تفتّح على حب الرسم في طبيعة عبقت فيها رائحة البارود وحرب لم تترك إلا فسحات ضيقّة للطموح. درس ثلاث سنوات في معهد أسعد رنّو للرسم Academie Michel-ange des beaux arts، ولأنه في زمن الحرب تكثر الأحلام وبعد أفولها يسهل الاصطدام بالواقع، حمل حقائبه في بداية الألفية الثالثة وسافر إلى إيطاليا ليبحث عن هويته. سنوات سبع أمضاها في الغربة، يتأمل الحياة الأوروبية ويقارنها سرّاً بوطنه الذي تركه وراءه على أمل العودة.

السنة الأولى في
Academie des beaux arts de Rome جاءت كارثية. لم يجتهد في الدرس، اذ أمضى الأيام الطويلة ولياليها سائراً في الشوارع يلوكه خوف وندم من الفشل. السنوات التي تلت أظهر تفوقه لينهي بحثه عن "الرحالة" Nomade قبل سنة من زملائه. كل إنسان في داخله رحّل يمضي حياته بحثاً عن هويته، هذا موجز البحث الأكاديمي الذي نال بموجبه الشهادة في الرسم، انصرف بعدها للتعمّق في فلسفة الفن. أسس في إيطاليا مع أصدقاء له صالة عرض بعد أن برعوا في تقنية كانت منسية تعود إلى مئات الأعوام قبل المسيح وهي الحفر على المعادن وإعادة طبعها Xilography/Calcography. أحضر معه إلى لبنان آلة الحفر (الأولى في المنطقة) وهو يقدّم دورياً في محترفه دروساً للمهتمين بتعلّم التقنية كل أسبوع. يعتبر أنه مدين لإيطاليا بالكثير، فقد أخرجت من داخله ذلك الشعور الحائر وحوّلته إلى أعمال فنية رائعة. 

عام 2008 عاد إبراهيم إلى لبنان، ليرى أن كل شيء ما زال على حاله، وعلى جموده، والأصعب ذلك الصمت المطبق على أشخاص في حالة انتظار... انتظار أي شيء. الصدمة تلتها حالة بحث جديد، عن مكان يكون انطلاقة للتغيير والالتقاء بآخرين يشاركونه حب الفن والوطن. فكان محترفه الذي شرع منه في إعداد سلسة خطوات لإبراز الوجه الثقافي للبنان وتحديداً من شارع تتكاثر فيه المحلات التجارية، الملاهي، المطاعم وحياة ليلية صاخبة.

شكّل الحلم الأول "مهرجان السينما المكشوفة"، فرصة لإبراز الوجه الثقافي للبنان ومنطقة الجميزة. أتى متزامناً مع "مهرجانات بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009"، وامتد لثلاثة أيام متتالية عارضا فيه أكثر من اثنين وستين فيلماً. في الهواء الطلق، جلس محبّو الأفلام، منهم لثلاث ساعات متواصلة، على عتبات الدرج يشاهدون مواهب لبنانيين كانت حتى الأمس مجهولة، وأيضاً كانت فرصة مناسبة لالتقاء المخرجين مع رعاة محتملة. شبان يظللهم اليأس من وضع الثقافة في لبنان فجاءت أفلامهم تعبّر عن الحب، الخيبة، الحرب، الوجع، ومشاكل الشباب وحياتهم الاجتماعية.

الحلم الثاني، اختاره من أعماق حبه لـ"جبران خليل جبران"، وجه لبنان الناصع جمالاً. وبالتعاون مع لجنة جبران تم افتتاح معرض حمل عنوان "جبران يزور بيروت" لسبع لوحات أصلية وأربع مسودات لم تنشر سابقاً لرسومات وكتابات بخط جبران. على امتداد شهر حفل درج الفن بأكثر من حدث...

يضحك إبراهيم عندما تسأله عن رأيه بالفن والرسم، يقول إن الموقف الأكثر بشاعةً بالنسبة إليه عندما يقف أمام لوحات أمضى أشهراً في رسمها ليسمع أراء "متذوّقي الفن" بأنها لا تليق بسجاد غرفة الجلوس. لوحاته لا عنوان لها، تترك للمتذوق حرية الاختيار وكل فترة لها نمطها، فالرسام في حالة بحث دائم عن هوية تتخذ أشكالاً مختلفة. ليس عيباً أو مخجلاً أن يكون المرء رساماً، حتى لو أنه لم يتقاض أجراً عالياً المهم أن يكون سعيداً. يبدي استياءً حزيناً من تحوّل معظم الرسامين إلى
Graphic Designers وتخلّيهم عن الأوراق والريشة كونها موضة في الدرجة الأولى، وتدرّ أموالاً أكثر من "مهنة" الرسم.


المستقبل - الاثنين 20 كانون الأول 2010 - العدد 3862 - لايف - صفحة 10

1 comment:

  1. Reading about someone's ambition and dream come true, even if partially, just gives me more hope and motivation to pursue my own.

    ReplyDelete

Share

Widgets