Saturday 10 September 2011

في الإنتظار... والمرأة... وأنا


تنتظرني، تخترع للملل العاباً كالأطفال، ترسم على الأرض طاولة تضع عليها فنجاني شاي وكثير من البسكويت... تعرف بأنني سأعود، وعدتها بذلك عندما كنا نسمي الأحلام بمستحيلها... هي فقط لا تصدق أن الموت أناني يحب رفقة الشعراء

تنتظرني، تطوي الأحلام كالغسيل، تتأكد أن العشاء لم يبرد بعد، وبأن الوقت غسل اصبعه قبل أن يتذوّق الطعام من القدر الساخن... تنهره وتضحك... حبيبي سيعود تقول للغياب، سيفتح الباب وينادي على السعادة. ستعرف من رائحة الورد في ابتسامته، ومن حفيف أجنحة الملائكة في صدري ... سيعود ككل ليلة تقول الأسطورة... 

تنتظرني، ترتّب الذكريات، تضعها في علب من الأحدث إلى الأقدم، تكتب على الغطاء التاريخ، وتغلقه بدمعة. لكنها بعد كل وجع تعود لتبتسم، تعرف أن الوقت لص ولا بد أن يقبض عليه الحب ويقتاده إلى الحلق، الأمل مقصلة ودماء الحقيقة لا تجف... لن تنقطع... ستسيل كالشعر في الأزقة وتقبل أيدي المتسولين الممدودة إلى ما لا نهاية... إلى أن يعود الرجل الذي اختار الغياب موعداً للعودة 

تنتظره، وتدرك أن القصائد التي أرتكبت بحقها، تتعدى الزمان والمكان، لتدور كالخناجر حول رقاب النساء من دون كلل... الأسطورة لتحيا لا بد من ضحايا، من أسماء تسقط سهواً ومرّات عمداً، لذلك ليست خائفة هي... المشكلة تتخطاها لتقبع فوق صدره هو... رجل مستوحد لا يصدّق أنه في مكان ما... هناك إمرأة تحبه ولن تحاول قتله أو إراقة شعره على مذبح الغيرة...

أطرق الباب، أقف على العتبة غريب الملامح فاقدها، الشفاه حقل من الكلمات المورقة، الحائرة، المطلة على ذبول. في العينين ألف خيبة على شكل سنابل محنية... وحده الندم رفيق درب يقتسم الزاد ويشكر المسافر على ضيافته... أفكك أجنحتي المبللة، أتركها في الخارج... هناك في الداخل لا يحتاج الملائكة إلى أسلحة، ذراعي المرأة وطن، إغماضة عيون، حيث يسقط عن الضعف صفة النكران... في يدي باقة من الكلمات للتربة في قلبك...

ما زلت أقف عند الباب...

هناك إمرأة وحيدة تستطيع أن تبكيني وقد ماتت، هناك إمرأة واحدة بمقدورها أن تضحكني ولكنها لم تولد بعد. المرأة الثالثة لا تشبه العشرات ممن سبقنها، لا تضحك، ولا تبكي، إنها هناك - في الحبر -  حين يجب أن أتواجد أنا... في عروقي...

9 comments:

  1. لو كان بيدي لجعلت التصويت على اختيار رائع وفقط :)

    ReplyDelete
  2. هل قدر "ما" من يبقيها حبرا ً و لا يفلتها لتكون ملاكا ً بيننا؟

    --
    مبدع يا صاحبي
    مبدع

    ReplyDelete
  3. نعمة - شكزاً على ذوقك

    هيثم - صديقي انت

    ReplyDelete
  4. لماذا تختار المنفى؟ تقف عند الباب و لا تطرقه و هي في الداخل منهمكة بترتيب الانتظار... فلينتفض الحبر، فلتعرف المرأة بحاسة الحب انك انت الذي ينتظر ان تفتح لك الباب دون ان تطرقه
    رائعة كالعادة يا هيتشكوك
    ستعرف من رائحة الورد في ابتسامته
    الشفاه حقل من الكلمات المورقة، الحائرة، المطلة على ذبول. في العينين ألف خيبة على شكل سنابل محنية... وحده الندم رفيق درب يقتسم الزاد ويشكر المسافر على ضيافته... أفكك أجنحتي المبللة، أتركها في الخارج
    في يدي باقة من الكلمات للتربة في قلبك...
    هذه مقاطع رائعة

    ReplyDelete
  5. @Maeiva
    شكراً على مرورك المميز كالعادة
    حبيت هيتشكوك 
    الجواب على أسئلتك
    "هي الحياة"

    ReplyDelete
  6. Breath taking -
    One can only read and enjoy the glamorous words and images drawn by a skillful painter -
    After long waiting, your poems pour on us like sweet rain on a hot summer day...

    ReplyDelete
  7. I love it Pascal, this is more than i ever expect to read, understand and be moved by in arabic.. You give the language a new taste.
    Keep the flow grow.

    ReplyDelete
  8. يا الهي كم هي عميقة!!

    ReplyDelete
  9. @Anony
    ur words are more than i deserve, thank you for existence :)

    @Maria
    and yet i am speechless in front of what u just said...

    @Chantal
    Thank you for the joy u give when u comment :)

    ReplyDelete

Share

Widgets