ما بعد منتصف الليل بساعتين، يئنّ الهاتف النقّال المتوسد بضعة كتب ملقاة على منضدة في محاذاة السرير. رنّة يتيمة توقظك على عجل: رسالة لا بد أن تكون مهمة قياساً الى توقيت الوصول. على مضض، وبأنامل مرتجفة، تمد يدك ببطء لتلتقط الخبر. أجفان نصف مطبقة وعيون تلعق الكلمات عن الشاشة الصغيرة: عرض خاص، تنزيلات حتى 30% على ماركة ثياب معينة، آخر مهلة تاريخ الغد، والذي يصادف اليوم لأن الليل كان قد شرع في لملمة سواده أمام أضواء صباح ناعس.
لا تصدّق ما قرأت، تبدأ من جديد، مرة فاثنتين فثلاثاً، وكأن ذلك مجرد كابوس عبثاً تحاول الهروب منه. تقرأ الرسالة "المستعجلة"، تعيد ترتيب الكلمات في عقلك، وكأنها علامات غامضة لأحجية. تبحث بين السطور القليلة عن مخبأ السر المهم في طياتها... فتفشل. تلقي الهاتف بحنق، صحبة شتيمة مركّبة من أكثر من عشرة أنواع من الكلمات البذيئة. عبارة لم تتخيّل أنك قادر على صياغتها بهذه البراعة الأدبية. تضطجع من جديد، وقبل أن تغفو مرة أخرى، تردد سؤالاً مضحكاً كآلة صدئة: بعد منتصف الليل، وإعلان عن حسوم؟ طيب فهمنا، ولكن على الأقل أرسلوا اليَّ عروضاً خاصة بالرجال!
لقد أصبحت هذه الرسائل القصيرة من ثوابت أيامنا، وفي الآونة الأخيرة أمست من ثوابت ليالينا، وشكلاً من أشكال المطاردة العبثية. عندما تقفز الرسالة إلى الهاتف، توقف الزمن لتقرأها، ثم تلقائياً وبلا مبالاة طاغية، تسرع إلى محوها من السجل. قد يسألك فضولي عن محتواها، فتتمتم بصوت مقهور: مجرّد إعلان آخر. عندما تتعرض لهجوم من الرسائل الإعلانية في اجتماع عمل، تكذب متظاهراً أمام المجتمعين بأنها كانت آخر أسعار البورصة أو آخر أخبار النشرة السياسية، فمن غير اللائق أن تظهر أمامهم بمظهر المتلقّي لهذا الكم من الرسائل "التافهة"، والمفروضة فرضاً عليك، وبدون أخذ موافقتك. هذه الرسائل القصيرة على الجوال، تحديداً تلك الموجهة إلى شريحة من المشتركين من خلال بيانات غير دقيقة في معظم الأحيان للأشخاص، عمرهم، جنسهم، وعملهم، تشكل انتهاكاً سافراً لحياة هي في الحقيقة عابقة بكل أنواع الإزعاج.
الوقاحة القصوى، التملّق الذي تستهل به الرسالة أولى كلماتها باسم الشخص أو شهرته، مرفقة بأحد نعوت الاحترام من سيد، سيدة أو آنسة. محاولة ثقيلة الظل للتقرّب. ناهيك بالرسائل المبهمة إلتي تعلو شاشة الهاتف بخربشة من أحرف متلعثمة غير مقروءة، لأن الجهاز لسبب ما فشل في فك طلاسمها، ولأن البرنامج الداخلي للهاتف لم يتعلم بعد قراءة الأحرف العربية.
وحدها مشكورةً، رسائل وزارة الداخلية والمنظمات المدنية المهتمة بسلامة المواطنين، والتنبيهات من السرعة في القيادة.
أما رسالتي اليكم فهي الآتية: لقد انفلقنا، واتخمنا إلى حد الغثيان من الإعلانات، من مواعيد الاحتفالات، من الدعوات الى التبرع، من استخدام هذه الرسائل وسيلة تخاطب من الأحزاب والسياسيين، ومن كل محاولة للدخول عنوةً الى عوالمنا الشخصية وخصوصياتنا من دون استئذان. عيبٌ عليكم!
باسكال عسّاف
It is very true, sometimes when you are alone, and really alone, any beep will be a light of hope for your aching heart that awaits to be noticed by somebody, but then again you get disappointed and the msg ain't worth it!
ReplyDeleteاشاركك الرأي واضم صوتي لصوتك يا بسكال
ReplyDeleteوصلتني مرة رسالة تقول أن لكل من إسمه نصيب، أرسل اسمك لتعرف معناه طبعاً أنا بعرف شو معنى إسمي بس قررت لأول مرة في حياتي أرد على هاي الرسائل وبعثت "جانسيت " وطبعاً لم يصلني رد :)
ReplyDeleteما بعرف كيف بلبنان بس هون بتقدر تحكي مع شركة الإتصالات وتلغي الرسائل.
أكتر مرة كانت مزعجه أيام الإنتخابات :S
ضريبة التكنولوجيا!
ReplyDeleteكلنا يكره هذه الاقتحامات المقيتة؛ و لكن ما العمل؟! التعايش؟ :(