على مر العصور، عبّرت الثقافات عن مفاهيم متنوّعة للجمال النسائي: إبراز أعناق طويلة، بناء قامات ممتلئة، تزيين الوجه، أو ربما حجب بعضه خلف وشاح ملون... اليوم، العولمة والوسائل الإعلامية تتلف تدريجياً كل وجود لهذه الاختلافات، وبالتالي تخلق شكلاً يكاد يكون موحداً للمرأة التي تعتبر جميلة. الإعلام يمطر الناس يومياً بوابل من الإعلانات، في ما يشبه "الوصايا الجسدية". المطلوب من أجساد النساء أن تكون نحيفة، طويلة، متناغمة وباهرة. النساء اللبنانيات يشعرن بأنهن مجبرات إلى حد الإكراه على الانصياع لهذه الوصايا الجديدة مهما كان الثمن باهظاً. هذا ربما يجعلهنّ جميلات، إلا أنه وبالتأكيد يخلق منهن نساءً متشابهات إلى حد التطابق.
موقع "أنا ديفا" www.AnaDiva.com، صرخة أخرى، تواكب العصر الإلكتروني، تسأل المرأة أن تكون جميلة لأنها امرأة، وليس العكس، جميلة لكونها إمرأة، جميلة عبر محافظتها على هويتها، شخصيتها، ومستوى تعليمها.
صاحبة المشروع، غوين أبو جودة، تقول إن بدايات الفكرة تكوّنت لديها إثر وقوفها، ولمدة طويلة، أمام مجموعة من الأسئلة واجهتها خلال فترة دراستها في لندن. ما إن يسأل محدث "من أين أنتِ؟" وتجيبه "من لبنان"، حتى ترتسم على وجهه ابتسامة ماكرة تستعيد فكرة مزروعة بشدة في عقله: "طبعاً من لبنان، بلد النساء الجميلات... المقبلات إلى حد الإدمان على الجراحات التجميلية".
هذه الفتاة "اللبنانية" أرادت استعادة الصورة الأصلية للمرأة اللبنانية. وهي تصر على أنها ليست ضد عمليات التجميل، إذا كانت تساعد على تعزيز إمكانية المرأة، لكن بشرط وحيد وهو عدم خسارة المرأة هويتها. "أصبحنا كلنا نشبه بعضنا البعض، إذا تصفحنا المجلات الاجتماعية، نرى أن النساء أصبحن يملكن الأنف ذاته، الشفاه والخدود نفسها. ماذا فعلنا بهويتنا الشرق أوسطية؟ ماذا يفرقنا عن سائر نساء الأرض؟".
عنوان الموقع "أنا ديفا"، كلمتان: الأولى "أنا-ANA" في اللغة العربية، وترمز إلى كل معاني الـ"أنا" الخارجية وحتى تفسيرات علم النفس. أما الكلمة الثانية "ديفا-DIVA" فهي مشتقة من اللغة اللاتينية DIVUS/DIVA وتعني "المقدّسة". لكن المعنى "الفني" للديفا بات مرادفاً للنجمة المتألقة والمتميّزة، معبودة الجماهير. الديفا ليست ذات الجمال الخارق بالضرورة، بل ذات التميّز الخارق. فالجمال واحد من مقومات المرأة الديفا، وليس هو أبداً العنصر الرئيسي لنيل لقب الشرف هذا. "مارلين ديتريش" مثلاً حازت لقب "ديفا" ولم تكن باهرة الجمال، بينما مارلين مونرو الجميلة، لم تنله (وإن لم تبحث عنه). وقد تحوّل هذا المعنى مع الوقت من "مغنية الأوبرا الرئيسية" إلى سيدة بارزة ومرموقة في المجتمع.
"أنا ديفا" تعني اليوم "أنا واثقة، ذكية، فاتنة، مرحة، ومتزنة"، والأهم أن "أنا ديفا" بات صرخة تقول لكل النساء أن كل واحدة منهن هي "ديفا" متميزة. فهي ديفا لأنها إمرأة، وهي جميلة لأنها إمرأة... إذ إنّ الميزة-الإمتياز هي أن تكون إمرأة.
عام 2007، قُدّرت مبيعات أسواق مستحضرات التجميل وعمليات التجميل بنحو 14 بليون دولار أميركي، مع معدل نمو بمقدار 1 بليون دولار في السنة. ومع هذا النمو تحوّلت العمليات الجراحية إلى بضاعة استهلاكية وحاجة... تقدم كهدايا أعياد.
في البرازيل، ما إن تبلغ الفتاة السادسة عشرة من عمرها، حتى تحصل على هديتها الأجمل: عملية جراحية لتكبير النهدين. أكثر من 50% من النساء الكوريات يخضعن لعمليات تجميلية ليمتلكن جفوناً غربية. أما في الصين، فأن تولد قصيراً لم يعد عائقاً بعد اليوم، فالصينيون يرون الحداثة في زرع قضيب معدني بطول عشرة سنتيمترات في الساق. وهذا يجعل الصيني أطول بعشرة سنتيمترات. وقريباً منا، بات الأنف المزعج الكبير موضة قديمة، ففي إيران وحدها تجرى أكثر من 30,000 عملية تجميل أنف في السنة.
في هذا البلد الخارج افتراضياً من نزاعات عديدة، أن تكوني جميلة أصبح ضرورة حتمية، ويبدو أن الحاجة تحولت إلى أمر يخرج رويداً رويداً عن السيطرة. فقد تبيّن عبر استطلاع للرأي شمل مجموعة من النساء تتراوح أعمارهن بين الـ 21 و 38، من بيئات مهنية، اجتماعية، واقتصادية مختلفة، أن 46 امرأة لبنانية من أصل 65 مستعدات "للخضوع تحت المشرط" من أجل أن يبدين أكثر جمالاً وإثارة. بعضهن يعتقد أنه من غير المقبول أبداً أن لا يكنّ جميلات، وأن الحد الأدنى من الجمال بات أمراً ضرورياً في حياة الإنسان ووظيفته.
يمكن لأي فتاة أن تحصل على قرض من معظم المصارف من أجل إجراء عملية تجميلية، الأمر أصبح شائعاً جداً، والمصارف تستثمر في احترام وتقدير المرأة لنفسها من أجل تحقيق أرباح تجارية طائلة. وهؤلاء النسوة يكافحن من أجل تقليد مثال وهمي، نتيجة الدعاية العالمية. هذا هو مفهوم العصر الحديث بالنسبة إلى المرأة.
في لبنان عليها أن تكون متميزة مهنياً، سواء كانت أماً، أختاً، أم سيدة منزل، بالإضافة إلى عبء أن تكون جميلة كل الأوقات. مع كل هذه الضغوط لتصل إلى الكمال، تنصاع المرأة لمتطلبات الرأي العام عبر اللجوء إلى عمليات التجميل. أكثر من 70% من مجموع النساء في الاستطلاع انجذبن إلى عمليات التجميل، والسبب بات واضحاً.
في أيامنا هذه بات الحصول على أي شكل خارجي ممكناً بفضل الجراحات التجميلية، وهذه أصبحت من يوميات كثيرين. وبالتالي فالحاجة باتت ملحة للعمل على تغيير هذا المفهوم. الوعي الاجتماعي والحض على التغيير في مجتمعنا أصبح أمراً لا مفر منه: نحن نفقد هويتنا الثقافية. نفقد ميزتنا الأساسية. نفقد فرادة كلٍ منا. نصبح كلنا إمرأة واحدة ... متكررة، في مشهد يبني الملل والتثاؤب. ومن أجل كل ذلك، حملة "أنا ديفا" تدعو الجميع إلى الاحتفال بتفرد المرأة، تنوعها وثقتها بنفسها، بعيداً عن تأثيرات الإعلام التي تحاول تبديد الاختلاف في الهويات الثقافية للنساء.
في كتابه "التأملات"، الفيلسوف الفرنسي "باسكال" يقول: "لو كان أنف كليوباترا أقصر، لكان تاريخ العالم كله تغيّر".
هل حقاً سيكون مختلفاً؟ كيف؟ ولماذا؟ ألم يكن ليقع مارك أنطوني وقيصر في شراك حبها في كل الأحوال؟ الجواب بلى... شغفهما كان أعمق بكثير من مجرّد تعلّق بالشكل الخارجي.
باسكال عسّاف
http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArchiveDetails.aspx?ID=117606#
No comments:
Post a Comment