أنا مجرّد رجل عابر في نزهة. قرّرت منذ مدّة أن لا أتمرّغ في وحول السياسة، والحروب، والتجاذبات الطائفية. اقتنعت أنه من العبث تنظيف المستنقع... وحيداً.
رغم ذلك وجدتني منحازاً بطريقة ما، للكلام، أو ربما الهلوسة، لأنني ضقت ذرعاً بابتلاع الصمت كردّ بينما أتفرّج على رقصات الجهة المقابلة بالانتصار الزائف.
المشكلة ليست في ما كتبه السيدة أوكتافيا نصر (Octavia Nasr)من كلمات قليلة محشورة، مكممة، مسيّجة داخل 140 حرفاً.
ما كتبت المرأة، ربما كان خطأً، أو ناقصاً مبتور القصد، أو فُسّر كخطيئة لا تغتفر، أو رأي شخصي، أو ربما لم يكن "لائقاً"، وبات ضرورياً من "أجل مصداقية" المحطة المعنية أن تتخذ إجراءات قاسية بحق ليس ما كُتب، بل بما فُسّر... حتى بعد الشرح اللاحق المستفيض.
عبارة نحيلة، بسيطة، خائرة المعنى، لا هي قادرة على تحدّي الموت، ولا هي بحال من الأحوال تمّلق رجل، أو حزب، أو قضية.
أوكتافيا كما عرفتها منذ فترة وجيزة، امرأة ذكية، ساحرة في ضحكتها، يتمدّد التواضع على جبينها كشاطئ أمام بحر من معجبين... في عالم التويتر Twitter هي شخصية فذّة، لا تتوانى عن مساعدة الجميع من دون حتى أن يلجأ إلى الخجل فيسأل. تهتم بمن تعرفهم، أحياناً بتفاصيلهم الصغيرة، وطوراً بأحلامهم مهما بدت لديهم شاهقة، وكانوا هم عند أقدام الجبل يسترقون النظر إلى الأعالي.
هذا هو رأيي، وقد يكون الإعجاب العميق الذي أكنه لشخصيتها تحوّل إلى حبر فاض مشاعر صادقة متدفقة على عجل بين السطور.
هي امرأة، أخرى من لبنان، لطالما سمعت أصدقائي يتلفّظون اسمها بخشوع. هي أيضاً من الشرق الأوسط الصغير المهشّم إلى قطع في قالب تتنافس عليه الدول الكبيرة الراقية النهمة لابتلاعه خطفاً، ليس جوعاّ بل جشعاً...
بالنسبة إلى محبّيها على التويتر، شقّت طريقها لتصبح رمزاً لأكثر من قضية. امرأة، لبنانية، عربية، حجزت لها دوراً مرموقاً في مسرح تُعرض عليه حكاية العالم كله.
اليوم أوكتافيا، حُوكمت، وصدر قرار "بطردها" من المحطة، لأنها "أخطأت"، وبالرغم من أنها "اعتذرت"، وفندت كل المعاني المستورة عن أعين الحاقدين، هي "وحيدة" في مواجهة الجور، والظلم والغباء.
أعرف بأن أحباءها، وأصدقاءها، ملتفون حولها كسور بشري يقيها إلى حدّ ما تطفّل الحزن، ولكنني سأشرح أنا أيضاً وكي لا أجد نفسي مضطراً للتفسير القسري بعد حين، ماذا أعني بـ "وحيدة".
سأقولها بكل بشاعتها، لأن الحقيقة آلهة لا تقبل تضحية أقل من الحق مهما فاحت منه روائح النكران وعفونة الكذب.
نحن، بلدان العالم الثالث، العرب، واللبنانيون تحديداً، شعب تعوّد على مسح الظلم عن الوجه بالدموع، لنهزّ أسفاً رؤوساً خنعت لقدر الكسل.
في المحطة "المجروحة المشاعر" أصدقاء، زملاء، شركاء عرب بارزون... وصامتون. أشاحوا وجوههم عن "الخطأ والصواب"، لأنهم اعتادوا اللامبالاة تماماً كالاستماع إلى غصّة بحر يهشم جبينه على صخور ضجرة.
المعنيّون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو حتى نسب إليهم ما كتبته أوكتوفيا، لم يعيروه اهتماماً.
العالم الآخر المتمدّن، الذي ترنو إليه رقابنا تمنياً أن نلحق بركابه، رقاب باتت تعاني من الوجع... يتفرّج على خروج امرأة من نادي الكبار، أصمّوا آذانهم عن "الاعتذار"... تمتموا بقساوة: شكراً على سنواتك العشرين التي ذرفتها عطاءً أمام كل المشاهدين. وصرخوا لمن تخوّله ذاته التمنطق بحرية الرأي أن يتذكّر الأمثولة...
أوكتافيا ... لا تحزني:
الحق يُجلد على مرأى من الحقيقة، ولكنه لا يموت.
أتذكر الياس خوري، أتذكر وجهه المخنوق بألف سؤال. للمرة الأخيرة في عامود تناثر شوقاً، كتب في وجه قرار إبعاده: الكاتب لا يبحث عن مكان، الأمكنة تبحث عن كتّاب.
سأضيف "القضية لا تبحث عن مكان، الأمكنة تبحث عن قضايا"
سأضيف "القضية لا تبحث عن مكان، الأمكنة تبحث عن قضايا"
في أوقات كهذه لا يضمد الجرح إلا كلمة حقيقية
ReplyDeleteوالأصدقاء يجيدون ذلك
تحياتي لأوكتافيا وهنيئاً لها بأصدقاء مثلكم
معلوماتي عن تفاصيل الموضوع بسيطة جدا
ReplyDeleteولكن سرعة الأحداث وحدث ما حدث بسبب "توييت" 140 حرف... أيعقل ؟
المقال يعبر عن أشياء كثيرة أحببت أن اقولها...
وجدتها فيه...
أوكتافيا، مكان عملك السابق لم يعد ليليق بك
لمسة وفاء جميلة
ReplyDeleteكلمة الحق + الصدق شيئان لا يريدانه معظم الناس
!
هذا رأيي
أي قضية لمراسلة حربية سابقة قادت البروباغاندا الإعلامية الأميريكية لحرب الخليج؟ الآن صارت بطلة قومية؟
ReplyDeleteعزيزي Anonymous
ReplyDeleteلست يصدد الدفاع بل عدم السكوت
1. أتمنى لو تركت اسماً أخاطبك به، بالنسبة لي مزعج التحادث مع شخص أخفى أبسط ملامح الهوية الفردية. ولكن احترم الدواعي التي دفعتك إلى ذلك. أغلب الظن انك صديق ولا تريد أن تكشف نفسك كي لا تتعرض "لغباء" بعض معارفنا وحملات تجريح لا تقبل بالرأي الآخر، ولم تتخذ لك اسماً مستعاراً لأنك ترفض الكذب. لذلك شخصيتك مدعاة للاحترام أكثر.
2. كلانا نعرف أن دور الإعلام "تغطية الأحداث" كل بحسب سياسة المنبر الذي يعمل لصالحه وليس قيادتها. في حرب الخليج الأولى والثانية هناك اتفاق واضح على من قاد كل من العمليتين (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة). ولست هنا بصدد إزعاجك بمحاضرة تاريخية.
3. البروباغاندا الإعلامية ليست حكراً على الأميركيين، نحن العرب نتقنها إلى حد الإبداع، وشاهدنا أجمل لوحاتها من قبل محطات عربية مرموقة في حرب الخليج الأخيرة. في النهاية هي وسيلة مشروعة في الحروب. المشكلة ليست في البروباغاندا بل في الأشخاص، الأحزاب، والبلدان (العربية، والأجنبية) التي وافقت على تبرير الحرب.
4. " أي قضية لمراسلة حربية" أتعني بذلك أنها ومنذ تلك المرحلة لم يعد لهذه المراسلة حقوق، وعليها أن تسكت عندما تظلم، وعلينا ان نصمت أيضاً؟ لأن البعض منّا لا يوافقها على وظيفتها؟
5. أتقصد بـعبارة " بطلة قومية" سخرية؟ المشكلة هنا ليست في التسميات، رغم أنني أرى أن كلمة قومية أصغر من المقصود، ما حدث هو خطأ "عالمي" حصل أمام أنظار "العالم" والحل هو طبعاً عدم السكوت، لأن أوكتافيا في الحد الأدنى "ضحية" والحد العام "أمثولة" قد تصبح عرفاً يطال الجميع من دون استثناء.
6. قد أتفق معك أن اوكتافيا "أخطأت" ولكنها اعتذرت وفسّرت ما عنت، العقاب الذي صدر ونفّذ بحقها جائر وظالم. ما يدعو إلى سؤال ماذا لو قالت أكثر من ترحم على شخص توفي؟ هل كانوا أعدموها، لأننا أصبحنا اليوم نعيش في عالم تسن قوانينه جهة لا تحبّنا؟
أوكتافيا ... لا تحزني:
ReplyDeleteالحق يُجلد على مرأى من الحقيقة، ولكنه لا يموت
I couldn't agree more...
"Octavia... Be not saddened
Right is whipped in the sight of Truth, but it Never dies !!!"
الحق يُجلد على مرأى من الحقيقة، ولكنه لا يموت.
ReplyDeleteenough said!
great post as usual..