أجمل ابتسامة ...الجزء الخامس: الأخرى

Vincent Van Gogh

لقراءة الأجزاء السابقة 1، 2، 3، 4

"اعرف بأنك لا تسمعني، وبأنك عندما ستستيقظ لن تتذكرني. ولن تعرف الممرضة التي تسهر كل ليلة بجوار سريرك، كل ليلة منذ أسبوعين..."

سكتت عندما رأت حركة طفيفة في أحد أصابع يده. ابتعدت قليلاً عن السرير، نظرت من الشباك إلى السماء وتمتمت بصوت ناعم وكأنها تصلي:

- "شكراً أيها الساكن في ظلمة هذه الليلة، لأنني هنا، في المستشفى، أحرس الرجل الذي أحب منذ سنوات ثلاث... سأعتني به كل ليلة، وإن كان مقدراً له أن يموت، أرجوك، دعني أراه مبتسماً، تلك الابتسامة، مرة واحدة بعد..."

عادت إلى جوار السرير، جلست على طرفه، مسكت يده، شعرت ببرودتها. الرجل الممد بجانبها، ساكن كقطعة خشب تطفو في نهر يجري من دون أن يعرف وجهة. فتحت حقيبتها، وأخرجت كتاباً، قلبت الصفحات وشرعت تقرأ من حيث توقفت البارحة. الكتاب رواية، عن رجل ملقى في مشفى، صدمته سيارة، يعش على أمل أن يحيا، هي الجزء الثاني لقصة بطل قتل في الجزء الأول... أو هكذا توهم من قرأها، لكن الكاتب أعاد إحياء البطل، ولا أحد يعرف لماذا أو كيف، رغم أنه قال في أكثر من مقابلة صحفية، أن الرواية لن يكتب لها تتمة...

الكاتب، ممدد الآن، بجانبها، ساكن تماماً كبطله، تقرأ لتعرف التتمة، وبين صفحة وأخرى تنظر إليه، لعله يستفيق لتسأله. رغم ذلك، خائفة هي، وتعرف بأنها لن تتجرأ على النظر في عينيه الذابلتين، لأنها تعرف بأنه متكبّر، مجنون، ويكره النساء... ومع ذلك فهي تحبّه. تطوي أعلى صفحة الكتاب، لتحفظ من أين ستكمل القراءة، تخرج من حقيبتها مرآة، تنظر إلى وجهها، مذ باتت تسهر كل ليلة بقربه، ذبل جمالها... جمالها الطفيف.

تأتي كل ليلة، بعد أن يرحل زوار الرجل، تقرأ البطاقات على باقات الأزهار، وتغار. ترافقه في وحدته، تطالع كتلميذ مجتهد كتابه، وكأنها تسترق النظر إلى المستقبل. تضع قليلاً من مساحيق التجميل على وجهها، ترمم حمرة الشفاه، وتسكب عطراً على رقبتها، تريد أن تكون جميلة عندما يستيقظ... تتمنى أن تكون جميلة.

تردد بصوت غير مفهوم: "يحق لي أن أحبك". تمشي صوب الأريكة، تتمدد عليها بانكسار، وتغفو.

يبعد الصباح عنها ساعتين، يجب بعدها أن تزاول مهنتها في الطابق الآخر من المبنى، بعيداً عنه...

عندما فتح عينيه، رآها هناك، لم يستطع أن يتبيّن معالمها، الرداء الأبيض الذي لف معظم جسدها، ذكره لوهلة بأضواء السيارة المندفعة صوب صدره كسهم من نور. فتح شفتيه وأطلق صرخة مدوية، كأن الاصطدام يخترق جسمه مرة جديدة، تلاشى مفعول المخدر، تراكمت الأوجاع من جديد في بعثرة هدوء مصطنع في عروقه.

قفزت كالمجنونة، وقبل أن تذوي صرخته، غرزت الإبرة في ذراعه، قال بصوت ممزق: "المرأة التي كانت معي؟ ماذا حصل للمرأة؟"

الجواب على أسئلته، كانت تعرفها، وقد فكرت بها كثيراً، حضرت مسبقاً اللهجة، والطريقة التي ستخبره بها عما حصل... لكنها الآن، كانت تشعر بغيرة سكنت كل أنوثتها، عضّت على شفتها السفلى، كادت أن تمزقها من القهر، حدجته بنظرة غاضبة وأجابت بحقد:

- " ماتت".

كلمة واحدة ألقتها في وجهه كشتيمة، أغاظها أنه، وفي اللحظة التي استيقظ فيها، سأل عن أخرى...

هو، كان النعاس يعبر محيّاه كنسمة هواء، تخدّرت أوصاله تباعاً، شعر بأنه فقد مجدداً السيطرة على حواسه، وتحديداً شفتيه. ذراعه الممدودة كانت نائمة، عاصية، ولن تقدر أن تبلغ جيبه ليبحث عن أجمل ابتساماته....

This short story is dedicated to an old friend because i will never forget that "together we've climbed hills and trees". Thank you for being who you are