Wednesday 3 November 2010

رقعة شطرنج 3: فرصة واحدة



لقراءة الجزء 1 و 2

في يده علبة دخان بيضاء، يقلبها وكأنه يلاعب قطعة نقدية، يتوقف أحياناً يتأمل ثناياها، ثم يديرها فجأة ليستمع إلى قرقعة خفيفة تصدرها ثلاث سجائر حائرة في الظلمة، ظلمة حالكة مسجونة داخل جدران بيضاء. نظر حوله، إلى المذيع، وخلف الزجاج المخرج يحدجهما بعينين مشتعلتين بغضب. ثلاثة أشخاص، كالسجائر، بين جدران بيضاء.


يفكر في السؤال الذي طرحته الفتاة المجهولة، لا يزال يسمع صدى صوتها تائهاً في دهاليز ذاكرته. حاول أن يتذكر أين سمع هذا الصوت، عجز عن تخيل أي صدفة جمعتهما، ربما كان مخطئاً. اقتنع فجأة، هز منكبيه العريضين، وعاد ينظر في أرجاء علبة الدخان... في أرجاء الغرفة.

الجواب على سؤال الصبية بسيط، ولكنه لا يعرفه، أو تحديداً لا يدرك كيفية شرحه. ضعيف هو عندما يكون مجرداً من قلمه ودفتره الصغير المنزوي في حقيبته... حقيبته التي تركها في السيارة... السيارة ذاتها التي تمردت عليه في الصباح، وبقيت على سباتها مهما حاول إيقاظها. استقل سيارة أجرة، واستمع كل الطريق إلى غباء السائق وتحليلاته في السياسة، الدين، والمرأة... و - هو-  يكره الثلاثة بالتساوي...

ترنح باب الغرفة فجأة، سمع دوي صرير الباب يصطدم أكثر من مرة على الحائط الجانبي، بالقرب من المذيع، الذي منذ أن تلفظ جملته الأخيرة ينتظر... ينتظر أن تنتهي الإعلانات. هذا ما ظنه الكاتب، ولكن الحقيقة، أن المذيع قد رأى النظرة الحاقدة تسيل من عيني المخرج، ليمتقع وجهه بسيماء غاضبة.

انتصب المخرج كثور، بعد أن رفس الباب مرة جديدة، تكلم بكلمات على شكل خوار:
- "تسألها إن كانت تريد أن يجاوبها الكاتب على سؤالها..؟"

المذيع، أطرق بصره أرضاً، يتنفس بذعر، صدره يعتمر بدموع تبحث عن مخرج.

أكمل المخرج جملته السابقة:
- "ربما تريد الفتاة من الكاتب أن يغني أو يرقص مثلاً"...

أدار ظهره للرجلين، وعاد أدراجه، وقبل أن يعبر العتبة، أضاف بلهجة اقل وعيداً، ممزوجة بسخرية لاذعة:
- "ماذا فعلت يا إلهي، لتحاصرني بشتى أنواع الأغبياء".

المذيع أحنى رأسه أكثر، حتى كاد أن يسقط عن كتفيه بين ساقين ترتجفان.

الكاتب الذي كان جالساً على الأريكة، اختفى. على الأرض، علبة دخان مفتوحة، في داخلها بانت أربع سجائر...

في تلك اللحظة التي ظن فيها المخرج، أنه قد ارتاح من نوبة غضبه، شعر بخفة غريبة، وكأنه يطير. عندما أدرك ما حصل له، شعر بضغط قبضة على عنقه، ورويداً رويداً كانت أصابع الكاتب تشدّ على حنجرته، حتى كادت أن تفقده وعيه.

التقت نظرات الرجلين، أربعة عيون وجهاً لوجه، اثنان منها تشتعلان بذعر لا يطاق، واثنان باردتان، جامدتان كالموت... ساقا المخرج، متدليتان في الهواء، رغم ذلك كان الوجهان متلاصقين. حاول أن يتكلم، أن يرجوه، أن يهدده، أن يفلت من الخناق، ولكنه كان ينتفض كدجاجة اقتيدت إلى الذبح.

ساد صمت رهيب في الغرفة بعد أن انتهت الأسطوانة من لعب الدعايات، ليسود الجو صوت حشرجة المخرج المتقطعة. الكاتب جامدٌ كجثة، فقد السيطرة على الحاضر، كزورق تتقاذفه الأمواج على صخور، قفز الماضي في ذكرته، على شكل امرأة... بالنسبة إليه، يده تخنق المرأة، يخنق كل حياتها الملتصقة بوجوده، وما كاد أن يقترفه من أجلها... يرى أمامه الجريمة التي بقيت من دون عقاب... يودّ لو ينتقم من سكوته يوماً.

تراخت قبضته، سقط جسد المخرج أرضا، من بين أنفاسه المتقطعة، خرج أنين يشبه الوعيد، قال للكاتب:
- "سأطاردك أينما حللت، سأمنعك من الظهور في كل الإذاعات، والمحطات..."
أكمل تهديده، تدافعت العبارات من بين شفتيه كالبصاق... ورويداً رويداً تحوّل صوته إلى موسيقى في الخلفية لا يسمعها احد.

المذيع مقوس الظهر، غطى وجهه بيديه، ساقاه ترتجفان، كأغصان شجرة يابسة تعبث بها ريح عاتية...

مد الكاتب ذراعه وكأنه يساعده المذيع على النهوض، توجه بالكلام إلى الجسد المقوقع على صمت. وقال بصوت حنون:
- "أعطيك فرصة -  فرصة واحدة - لن تتكرّر في حياتك المذرية. أرحل عن هذا المكان الآن، أو أسرع بجلب كوب ماء لسيدك".

في اليد الأخرى التقط علبة الدخان عن الأرض، وضعها في جيب سترته، وابتسم تلك الابتسامة...

This is the third episode of another story, I did my part, now it is up to Joelle Hatem to continue and bounce back the story to me. 

10 comments:

  1. جميلة.. الكاتب يحرض المذيع! بانتظار ما ستنجب بنات افكار جويل

    ReplyDelete
  2. Hello Pascal,
    Wooowwww.... breathtaking... Although it is becoming a bit scary...
    Your writer was about to kill a man, do you realize that ? Does he realize that? The people in your story need training in anger and stress management :)
    I have a bad feeling about the smile of the author. Is it a smile that convey happiness? Madness? Anger?
    Thanks a million :)
    Zeina :)

    ReplyDelete
  3. جميل جدا! و التشويق بلغ اوجه!! ما الذي ستحمله جويل للكاتب العنيد؟

    ReplyDelete
  4. @Dany
    Welcome back :)

    @Zeina
    This time i will not answer you questions, hopefully Joelle will do...

    @Emile
    أهلاً, فلننتظر جويل

    ReplyDelete
  5. شوقنا أكثر شوقنا :)
    بنتمنى ما تطول
    joelle
    علينا :)

    ReplyDelete
  6. المشهد سينمائي بامتياز
    وصفك للتفاصيل مبدع

    في انتظار التتمة

    ReplyDelete
  7. What a twist! What a turn of events, Pascal? And I agree with Eliane. Your descriptions are so visual. It's so easy for your stories to come alive before my eyes, or in my head.

    ReplyDelete
  8. تطورات مشوقة، لم نعد قادرين على حبس الأنفاس أكثر، أتساءل ما الدافع الحقيقي الذي أدى الى هذه الحركة من الكاتب، و أتساءل ما تخبئ لنا في هذا الثيللير من الطراز الأول

    ReplyDelete
  9. 1- agree with Eliane about the movie effect.
    What I felt is that it's too pitorresque, too pathetic, which is not common among writers. maybe he felt so, we all did in a way, but passing to action is something else. maybe he (you) shouldn't go this far. a stronger reply could've simlpy be LEAvING the studio without continuing the interview. it would've been more embarrassing to the director.
    2- please correct these typing mistakes:
    قطعة نقدية
    بين جدران
    3- about the car: don't tell me the writer has a daewoo as well, what a coincidence.
    4- FINALLY, one of the great pics in the parag. is:
    غباء السائق وتحليلاته في السياسة، الدين، والمرأة... و - هو- يكره الثلاثة بالتساوي...
    let me add this (just to save ur ass)
    يكره السياسة ويعشق وطنه
    يكره الدين ويحب الله
    يكره المرأة ويهوى الجمال

    ReplyDelete
  10. @Haitham
    your comments always make me smile :) thank you

    @Eliane @joelle @Maeiva
    Thank you so much for your support and reading

    @the Old Friend
    0. Hey did you realize that you the one that keep asking about Names in my stories are using a description as your name? don't you see that you look exactly as the writer (the one writing and not the hero of the story)

    1. But the writer left the studio, didn't finish the interview, and yes he express his ANGER. but why he did that, i explained but no one saw the hint ;)

    2. Thank you for correcting my mistakes :)

    3. See as i said before, i don't have to name things or persons, i only describe the status and your imagination will be the continuity of my lines. your mind will puck up the first writer in his mind and see him alive with all his details.

    4. You know i am just the writer (a servant) noting the thoughts of another writer in the story and other personalities. :D

    ReplyDelete

Share

Widgets