Friday 19 March 2010

تلامذة القلب الأقدس يزرعون ثلاثين برعم حب في "حرش بيروت"


في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح الثاني من آذار 2010 ، وبينما كانت العاصمة بيروت منهمكة بزحمتها الخانقة، تنفض عنها عبثاً رائحة التلوث، كان أكثر من ثمانين تلميذاً ومعلماتهم من مدرسة القلب الأقدس (Scaré Coeur - Gemmayzé)  في الجميزة يجتازون بوابة "حرج بيروت" في منطقة الطيونة، وكأنهم يعبرون إلى ضفة عالم أخر.  
ثلاثون هكتاراً من الطبيعة الخضراء هي الملاذ الأخير الكبير المتبقي لأكثر من 1.4 مليون ساكن في بيروت. أعيد تأهيل الجزء الأكبر من الحرج في منتصف التسعينات من القرن العشرين بدعم من المجلس الإقليمي لمنطقة إيل دو فرانس (L'ile de France)، ليتحوّل إلى محمية تحت اسم المدرسة الخضراء - حرج الصنوبر، وقد تم افتتاحه في 13 تشرين الثاني من عام 2006 بحضور كل من السيد جان بول هوشون رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة إيل دو فرانس والمهندس عبد المنعم عريس رئيس مجلس بلدية بيروت.


اليوم، هذا الحرج منعزل عن الخارج بسور يبعد عنه المتطفلين، الدخول ممنوع لمن هم دون الخامسة والثلاثين من العمر، كما يتوجب على الزائر الحصول على إذن من رئيس بلدية بيروت. الإذن أشبه بتأشيرة دخول إلى بلد آخر. في ما مضى فتحت أبواب الحرج أمام اللبنانيين لفترة قصيرة، وللأسف عمد القيمون على الحرج على الإسراع بإغلاقه من أجل حمايته وإعادة ترتيب الفوضى التي ألحقت به من جراء "أخلاقيات" وعبثية بعض الزوار.

لسنة كاملة انتظر التلامذة تحوّل بذور الصنوبر إلى براعم صغيرة في حديقة مدرستهم حيث زرعوها، ثم حملوها إلى الحرج بعد أن حددت "جمعية الأرض لبنان" التي تتولى الاهتمام بالحرج موعداً لهم نهار الثلاثاء الفائت. وبدعم من بلدية بيروت اختيرت لهم بقعة من الأرض داخل الحرج لم تُزرع بعد. المشهد في الداخل رسالة براءة إلى الخارج. أطفال بين السادسة والثامنة من عمرهم زرعوا أكثر من ثلاثين شجرة صنوبر، وسيرافقون نموها، ويزورونها بعد عدة سنوات. هنا، بعيداً عن ضوضاء الخارج و"التمدّن"، مرتدين قبعاتهم الصفراء، ضحكوا، وهذه المرة لمسوا التراب بأناملهم الصغيرة بمباركة معلّماتهم.

زهرة وحيد المسؤولة عن البيت الأخضر من قبل "جمعية الأرض لبنان"، رافقت التلامذة في نهار بيئي يختلف عن أيامهم المعتادة. تجمهر الأطفال بعدها في الباحة يتأملون معلماتهم بفخر يزرعن شجرتي أكيدنيا. شجرتان ستتحولان إلى ملجأ للعصافير ليقتاتوا من ثمارها.

الإفطار كان طبيعياً تقول زهرة مبتسمة، مناقيش وخضار بالإضافة إلى شراب الورد من صنع "بيتي" في محاولة أخرى لتقريب التلامذة إلى الطبيعة. بفخر تنظر حولها، تخبر أن معظم الأشجار والنباتات هنا لها فوائد صحية وطبية، وبأن الحرج يستقبل يومياً ما يقارب الخمسين زائراً يتعلمون فيه عن الأشجار وعن النبات، عن احترام الطبيعة، وعن آداب الدخول إلى الحدائق، وعن "عالم العصافير"، وكل ذلك من خلال النظر ومراقبة أكثر من سبعين صنف من العصافير تعيش في الحرج... وأخيراً إغلاق عيونهم والاستماع إلى أصوات الطبيعة، حفيف الريح... زقزقة العصافير – وكأني بها جلسة يوغا أو Relaxation – وقد دُعي التلامذة الى أعادة تأهيل حواسهم للاستماع مجددا الى ما يحيط بهم، الى الطبيعة...بعيدا عن صخب المدينة وضوضائها؛ وعلى ما يبدو نجح الرهان، فما هي الا لحظات، وترانا نعاين ابتسامة ودهشة ارتسمت على وجوه الأطفال...بُعيد اغماضهم عيونهم، للتركيز على كل ما يحيط بهم، في تهيّب مقدس للطبيعة.   

نعم! حدث كلّ هذا على بعد أمتار من "المدينة"، في "حرش بيروت"، في مكان قررت فيه الطبيعة أن تستوطن وخصوصاً ان تصمد، تعاونها أياد صغيرة نبشت تربتها، داعبت أوراقها...وخصوصاً  أحبتها من كلّ قلبها الذي بات هو الآخر، "الأقدس".



http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArticleDetails.aspx?ID=154817

No comments:

Post a Comment

Share

Widgets