Sunday, 22 November 2009

مشروع معرض إستعادي لكتب "دار النهار" القديمة والنادرة

ألبومات الذاكرة الثقافية اللبنانية في كلمات حيّة وصور


للكتب الفنية والفاخرة والقديمة في اخراجها وتنفيذها، مكانة خاصة في الذاكرة وفي ثقافة المجتمعات. ولأن القديم يرسم معالم وملامح تطبع حياة البلدان وثقافتها، ولدت فكرة تنظيم معرض فني للكتب القديمة والنادرة التي أصدرتها "دار النهار"، وذلك في مناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب للسنة 2009. تطورت فكرة المعرض لتقوم على تعاون ثلاثي ما بين كل من "دار النهار" ووزارة الثقافة والقطاع الخاص. لكن المبالغ التي رصدت لتنفيذ الفكرة لم تكن كافية لاقامة المعرض على الوجه المرجو والمطلوب. لذا بقي فكرة قيد احتمال التنفيذ في المستقبل.



تحتفظ "دار النهار" بكثير من الكتب المفقودة، وتلك التي أصدرتها ولا تزال لديها نسخ أصلية لطبعاتها الأولى، وللكتب التي أعيدت طباعة معظمها في السنوات الفائتة.

وكان هدف فكرة المعرض تكريم الكتاب والكتّاب، و"دار النهار" وعميدها غسان تويني الذي كان وراء معظم هذه الأعمال. حكاية حنين لأعمال جميلة في كل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ  جُمعت في كتب حافظت على التراث من خلال الشعراء، الكتاب والرسامين. ومن اجل تعريف اللبنانيين بتراث بلدهم، القديم، الجديد والمتجدد، في كتب صممها أشخاص مرموقون كسعد كيوان، واهتم بانتقاء أحرفها، سمير الصايغ على سبيل المثال وليس الحصر. معرض لأجمل ما أصدرت الدار من كتب، مخطوطات المؤلفين، منحوتات، ولوحات أصلية لرسوم رافقت مسيرة هذه الكتب التي بيعت يومذاك بأسعار زهيدة، منها بعشر ليرات. الآن تبلغ قيمتها آلاف الدولارات لأنها تحتوي على رسوم مائية أصلية ممهورة بتوقيع الفنان، مثل أول اثنتي عشرة نسخة من كتاب نشيد الأناشيد.
دور "الألبا"
في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (الألبا) أُدخلت على البرنامج الدراسي لسنة 2009 في قسم الهندسة الداخلية، مادة مستقلة للتخطيط، الرسم، التصميم والإشراف على تنفيد مخطط للمعرض في إشراف رئيسة القسم الدكتورة مي جحا بدوي. عشرون من الطلبة أكبّوا على تصميم معارض افتراضية على الورق وفي مجسمات افتراضية على شاشات الكمبيوتر. وفي داخل كل من الطلبة تنازع بين شعورين. الأول أن يكون مشروعه هو المختار والثاني، شعور بالفخر كونه سيصبح فرداً من عائلة دار النهار ويساهم في جزء من أحلامه في هذه الرسالة.

السيدة ساميا الشامي والدكتور فارس ساسين من "دار النهار" زارا الكلية ورافقا مراحل تصاميم المشروع منذ بداياته إلى أن استقر الرأي على مشروعين رائعين لتاتيانا عويدات من لبنان (Tatiana Ouweidat)  وكاترين كيرزنوسكي من بولونيا(Catherine Kiersznowsky). المشروعان فكرتان مختلفتان في الرؤية والأسلوب والتنظيم.

كاترين أرادت أن تضفي على المعرض نوعاً من الغموض بحيث تكون الكتب لوحات معلقة على الجدران، فيجول الزائر في أروقة المعرض في رحلة استكشاف وكأنه متحف قُسّم وفق اللغات والكتّاب. كما اقتطعت جزءاً من المعرض وحولته صالة سينما مصغرة. وفي النهاية أرادته "شاهداً على الإرث والتراث اللبنانيين”، على ما قالت لـ”النهار”.

أما تاتيانا فكانت لها وجهة نظر أخرى. أرادت معرضاً يستقبلك بجسمات وخطوط زرقاء اللون، وهو لون شعار "دار النهار". دور الخطوط أن تقسم المعرض إلى جزءين، عربي وأجنبي. علقت تاتيانا على الجدران صوراً للكتّاب عبر شاشات، واختارت زوايا محددة للكتب الجديدة والقديمة، وعمدت إلى حفظ المخطوطات داخل علب زجاحية لحمايتها. على السقوف نثرت مقتطفات من قصائد الشاعرة ناديا تويني، وأخيراً حجزت في الصالة زاوية للجلوس والمطالعة.
الاخراج الفني المتقن
"دار النهار" للنشر هي من أكثر دور النشر التي أنتجت كتباً متقنة فنياً في اخراجها. فمنذ ستينات القرن المنصرم إلى يومنا هذا لعبت الدار دوراً ريادياً في نشر هذه الكتب ووضعها بين أيدي القراء. الاعتناء الفني بهذه الكتب جعلها درة المكتبات العربية في كل البلدان. المحزن اليوم أن قسماً كبيراً من هذه الكتب بات مفقوداً، أو نادر الوجود في المكتبات الشخصية. كتب تحمل نكهةً خاصة، فيها بعض من رائحة الكاتب مثل "ديوان أدونيس" في خطّ يده، وكتاب "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" لأنسي الحاج في خط يده ايضاً. منها في اللغة الفرنسية ككتاب "رحلات في المشرق" Voyage en Orient ، وهو نوع من مذكرات شخصية لإيليز غروتيه والدة ادموند دو برثوي الذي حصل على امتياز شق طريق بيروت- دمشق مروراً بمنطقة صوفر في العام 1858. مذكرات مرفقة برسوم رائعة للكاتبة، مع معلومات أساسية عن الحرب التي مزقت جبل لبنان في أحداث 1860.

كثير من هذه الكتب فُقد في يوميات الحرب السابقة في لبنان. منها ما تعرّض للحرق، نهب أو أضاعته أيدٍ لم تعرف قيمته المعنوية. مثال على ذلك كتاب "مقامات الحريري" الذي صدر منه 300 نسخة فقط بخط يد شفيق عبود، وبالتالي يعتبر كل كتاب من المجموعة أصلياً، فريد وتحفة في ذاته. في قائمة منشورات "دار النهار"، وتحت عنوان "النفائس" نجد كتاب "نشيد الأناشيد" الذي صدرت طبعته الأولى مرفقة بست عشرة لوحة مائية، ملونة وأصلية، بريشة الفنان بول غيراغوسيان، توزيع وتقديم الشاعر أنسي الحاج في تموز 1967. الكتاب هذا في تسعين صفحة خطها مختار البابا. هو الكتاب الأول الذي افتتحت به الدار سلسلة النفائس، مختصرة خمسين عاماً من حياة لبنان الثقافية في كتاب.
الكتاب الثاني "أجمل الموشحات" الصادر في العام 1968، إختار قصائده وقدم لها الدكتور الراحل ميشال عاصي، وزينها الفنان إيلي كنعان بخمس عشرة مائية. اشتملت المختارات على ثلاثين قصيدة مع نبذة عن كل شاعر في 140 صفحة. الكتاب جسّد في الستينات من القرن العشرين حلفاً ثلاثياً: الكتاب والشعر والرسم.

 
اليوم لندرة هذه الكتب، ومحافظة على جماليتها وحمايتهما من تسلل النسيان والضياع اليها، شاءت "دار النهار" جمع "نشيد الأناشيد" و "أجمل الموشحات" جزءين في علبة واحدة، على وجه كل منهما غلاف الكتاب الأول وعلى الأخير غلاف الكتاب الثاني في 230 صفحة.
اضافة إلى طباعة هذه الكتب المفقودة ونشرها مرّة أخرى في زمن ما بعد اتفاق الطائف، دأبت "دار النهار" ايضا على إعادة طباعة المؤلفات الكاملة لكبار الكتاب اللبنانيين الذين كتبوا باللغة الفرنسية، وقد فقدت كتبهم اليوم، مثل فؤاد غبريال نفّاع، لوريس شحادة، شكري غانم، وأفلين بسترس وغيرهم.
البومات الذاكرة
الكتب تراث عاش في زمن الحرب، واستمر متجدداً بعد اتفاق الطائف وقد صدر عدد كبير من الكتب الجميلة، منها "البرج، ساحة الحرية وبوابة المشرق"، إعداد غسان تويني وفارس ساسين. وهو كتاب بالنص والصورة، باللغتين العربية والفرنسية، يعيد احياء تاريخ ساحة بيروت الأولى في كل مراحله، ويجول في أرجائها الثقافية والترفيهية والاقتصادية، ولا يهمل سنوات الحرب ولا مشاريع الإعمار المستقبلية: من "الميدان" المملوكي، إلى "بستان" فخر الدين، إلى الساحة "الحميدية"، إلى "ساحة الإتحاد"، وأخيراً إلى "ساحة الشهداء".  صدر الكتاب في نسختين واحدة فخمة مجلّدة وأخرى عادية.
كتاب "لبنان: القرن في صور (عربي، فرنسي، أنكليزي)"، إعداد فارس ساسين ونواف سالم هو عمل يغطي بالصور الحياة اللبنانية في وجوهها السياسية والأدبية، العمرانية والفنية، الرياضية والإجتماعية، على مدى مئة عام تتوالى فيها أحداث لبنان سنة بعد سنة في أكثر من ألف صورة. بالإضافة إلى كتاب "يسوع المسيح بالإنجيل والأيقونة" الذي يروي حياة يسوع الناصري مستقاة من نصوص الأناجيل الأربعة مرفقة بأيقونات متصلة بالمواضيع. عمل باهر برز من خلال جمال الأيقونات والطباعة والورق التجليد.

كتاب آخر نفذ اخيراً "بعلبك أيام المهرجان"، وهو مجلّد فخم يؤرخ لمهرجانات بعلبك الشهيرة سنة تلو سنة. إنه أشبه بمتحف صغير في ما يتضمن من صور ورسوم ومحفورات. وقد جاء اخراجه غاية في الأناقة، غنياً وباهراً ومتقناً. كما تم تخليد يوسف الحويك في كتاب "يقظة الحجر" وصور لأجمل منحوتاته كما التقطتها عدسة المصور الكبير مانوغ ألميان. كتاب "بيروت 1965-2002" رسوم ونصوص لجاك ليغر-بيلار، أعيد نشره في 2003 في تصوير مطابق للأصل من دون حتى ازالة آثار الزمن عن الأوراق بعد أن أضيفت اليه ترجمة عن اللاتينية. آخر خطوات "دار النهار" في مسيرة اعادة احياء الكتب الضائعة في الزمن كتاب "BERYTUS"، وهو أول كتاب صدر عن بيروت باللغة اللاتينية العام 1662.

روح ناديا تويني الحية
من الكتب التي تعنى "دار النهار" بالمحافظة على استمرارية وجودها بين رفوف المكتبات، وفي ضمائر القراء الشابة، كتب نادية تويني التي أعيد نشرها وتوزيعها بأسعار زهيدة لتكون في متناول الجميع، فالشعر الجميل لا يعترف بطبقات المجتمع. كتاب "حالم الأرض" صدر عام 1983 وأعيد نشره في 2003 حاملاً بين دفتيه الحب، الانسان، البحر، الأرض، والموت عبر رؤية الشاعرة الحالمة. الكتاب مزيّن برسوم لور غريّب. أما مسرحية "فرمان" الغنائية التي قُدّمت ضمن الليالي اللبنانية في مهرجانات بعلبك 1970 فقد صدر في عام 1985 مقدماً النص الكامل للمسرحية بالعربية والسيناريو بالفرنسية. كتاب "حزيران والكافرات" وهو حوار شعري مسرحي بين أربع نساء يتقاسمن المذاهب المسيحية، المسلمة، اليهودية والدرزية على خلفية أرض واحدة. صدر في عام 1968 غداة هزيمة حزيران 1967، ويعتبر من أهم دواوين الشاعرة. وحين تتحدّث عن لبنان يجب أن تبحث عن ناديا تويني في ماضيها الخاص لأنها اختارت القصيدة لتجسد بالكلمة حقيقة الصراع المستحيل بين الإنسان وأرضه، فكان كتاب "محفوظات عاطفية" الصادر عام 1983، ترجمته إلى العربية مي منسى وندى الحاج، وأعيد طبعه مجدداً في 2003. ونوع آخر من الجغرافيا الشعرية والروحية للبنان في كتاب "لبنان، عشرون قصيدة من أجل حب"، الصادر عام 1987 باللغتين العربية والفرنسية مع رسوم للفنان أمين الباشا. وأخيراً "مختارات" ترجمة أدونيس وأنسي الحاج وآخرين صدر في 1983 وأعيد نشره قي 2003، وهو عبارة عن قصائد مختارة من سبع مجموعات وبعض المخطوطات التي جمعت وفاء للشاعرة التي بات الشعر مع الصلاة، لغتها الوحيدة
.
اليوم تشعر السيدة ساميا الشامي (مديرة عام "دار النهار") بنوع من الخيبة لعدم ولادة الحلم في السنة العالمية لبيروت عاصمة للكتاب. خيبة يستطيع القيمون على فكرة المعرض، محبو الكتب النادرة، و"الكبار" تحملها بصدر يعبق قهراً تعودوا عليه في لبنان. لكن ما ذنب "الصغار" في تهشيم أحلامهم؟ تكمل السيدة ساميا "عندما أقرر أن أقيم مكتبة جديدة في بيتي سأتصل من دون أدنى شك بكاترين أو بتاتيانا". 
باسكال عساف   
http://www.annahar.com/content.php?priority=2&table=tahkikat&type=tahkikat&day=Mon

No comments:

Post a Comment

Share

Widgets